قصص من حياة التابعين

يعد عصر التابعين من عصور الإسلام الذهبية، فالتابعون هم المسلمين الذين عاشوا في زمن الرسول ولكن لم يروه، ومنهم الذين جاؤو بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، وهم نوعين، منهم من يروي عن الصحابة، ومنهم من قابلهم أيضًا، وسنقدم اليوم من خلال هذا المقال قصص من حياة التابعين.

قصص من حياة التابعين

شهد عصر التابعين فترة من الزمن بلغت قرنين منه، وأعداد التابعين كثيرة، ومن أشهر قصص التابعين رحمهم الله ما يلي:

قصة الحسن البصري

وهي من القصص التي رواها رجل يعرف باسم “فرقد”، حيث قال: دخلنا على الحسن البصري.

وقلنا له هل يعجبك ما يفعله محمد بن الأهتم؟.

فقال لهم: ما به؟ فقالوا له: دخلنا عليه آنفًا يجود بنفسه، وأتى بصندوق في جانب البيت.

وقال لهم هذا الصندوق به 80 ألف دينار، وأنا لم أؤد منهم الزكاة، ولم أطعم منهم المحتاج.

وواصل حديثه بأنه لم يصل منهم الرحم أيضًا، فسألوه: إذا لماذا كنت تجمع هذا المال.

فقال: للزمان، وجفوة السلطان، وكثرة الأقران، فرد عليهم الحسن: انظروا من أين أتاه الشيطان.

قام بتخويفه من الزمن، وقال لهم لا تنخدعوا مثله، فالمال الذي جمعه قام بجمعه من الباطل، ومن منع الحق.

وقال لهم الحسن: أن هذا الرجل ذو حسرات يوم القيامة، وأن المال الذي جمعه بالباطل بعد موته سيكون لغيره.

ويرزقه الله الصلاح، ويذهب ماله إلى ميزان غيره.

شاهد أيضًا: قصة الأبرص والأقرع والأعمى

قصة سعيد بن المسيب

فهو رحمه الله ولد في عهد خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه، ومن أبرز التابعين، وكان يعرف بتدينه الشديد.

ولا يفوته أي فرض، ومحافظًا على الصلاة، وكان يتقي الله، ويتجنب الفتن، والملذات، وحذر من فتن النساء.

وكان سيد التابعين، ومحدث دار الهجرة، واجتهد في حفظ الحديث منذ صغره.

وقد عاش في عهد الخلفاء الراشدين، وعاصر كبار الصحابة، مثل علي بن أبي طالب.

وعثمان بن عفان، وأبا هريرة، وغيرهم، وكان لا يخاف لومة لائم، زاهدًا متعبدَا.

قصة بلال بن رباح

كان عبدا عند أمية بن خلف، وكان يعذبه بشدة، ويؤلمه، وكان يطلقه في الصحراء الجرداء، ويقوم بضربه بالسوط ضربًا مبرحًا.

وذات يومًا رآه أبو بكر الصديق رضي الله عنه، وحذر أمية مما يفعله بهذا العبد.

وطلب منه أن يطلق سراحه، فقال له أمية “أنت أفسدته، فقم بإنقاذه”.

وانتهى هذا الأمر بشراء أبو بكر الصديق لهذا العبد، وأطلق سراحه، وأعتقه لوجه الله.

قصة القرني

من أبرز ما ورد من قصص من حياة التابعين قصة التابعي الجليل “أويس القرني”.

فكان له قصة مع الصحابي الجليل عمر بن الخطاب.

رضي الله عنه”، وقد روى تلك القصة أسير بن جابر، رضي الله عنه.

حيث قال: “كان عمر بن الخطاب إذا أتى عليه أمداد أهل اليمن، يسألهم: أفيكم القرني؟

وحينما راه معهم، قال له: أنت أويس بن عامر؟ فقال: نعم، فقال له عمر: من مراد ثم من قرن؟: وقال له: نعم.

فقال له: كان بك برص فبرأت منه إلا موضع درهم؟: وقال له: نعم، فقال له عمر: لك والدة؟ فقال له: نعم.

ثم قال له عمر” سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أنه سيأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن، من مراد، ثم من قرن.

وكان به برص فبرأ منه إلا موضع درهم، وله والدة بار بها، ولو أقسم على الله لأبره.

فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل، وطلب منه أن يستغفر له، فاستغفر له، والله أعلم.

قصة الفضيل بن عياض

وهي واحدة من أجمل قصص التابعين، التي تحمل في طياتها العبر، والمواعظ، وتدور القصة عن الفضيل بن عياض.

فهو كان من اللصوص قاطعي الطريق، وذات يومًا خرج ليقطع الطريق على الناس.

وإذا بقافلة آتية ليلًا، وقال أحد أفرادها: هلموا لنعرج إلى هذه القرية، حتى ننجو من قاطع الطريق الذي لا ينجو منه أحد.

وقد سمعهم الفضيل، ورق قلبه، وأخبرهم بأنه الفضيل قاطع الطريق، وأنه لن يتعرض لهم بالأذى.

وأقسم على قوله، وأخبرهم أنه يمكنهم استكمال طريقهم دون خوف منه.

بل أنه خرج ليأتي إليهم بالطعام، ليطعمهم هم والدواب.

وحينما عاد سمع أحدهم وهو يتلو آية من القرآن الكريم، لقول الله سبحانه وتعالى: (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ ۖ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ)، فقال بلى يا الله، ومن هنا بدأت توبته.

وصار بعد ذلك من كبار العابدين، واطلق عليه “عابد الحرمين”، وأصبحت قصة توبته من أجمل القصص، وأعظمها، ولها تأثير جميل على النفوس.

قصة أبو حنيفة والمقترض

كان أبو حنيفة يجلس تحت ظل بيت صاحب له، واقترض منه صاحب البيت بعض المال، وجاء اليوم الثاني بعد أن أقرضه المال.

فرآه صاحب البيت في اليوم الثاني من اقتراضه للمال يجلس بعيدًا عن الظل.

فسأله صاحب البيت: لماذا لم تجلس تحت الظل؟ فقال له أبو حنيفة: خشيت أن يكون ذلك نوعًا من الربا.

فتعجب صاحب البيت، وقال له: ولكنك كنت تقعد في الظل قبل أن تقرضني المال.

فقال له أبو حنيفة: ولكني كنت أقعد وأنت المتفضل علي بظل البيت، بينما أخاف أن أقعد في الظل الآن وأنا المتفضل عليك بالمال.

قصة أبو مسلم الخولاني

وهو من التابعين، وأدرك الجاهلية والإسلام، إلا أنه لم ير النبي صلى الله عليه وسلم، ودخل إلى المدينة المنورة في عهد أبو بكر الصديق.

رضي الله عنه، وقد أطلقوا عليه “التابعي المخضرم”، وكان معروفًا بعبادته الطويلة.

وقوته الشديدة في القتال، وكان في غزو الروم يقف في المقدمة، ليكون أقرب الناس في الغزو أمام العدو.

وقيل أنه في طريق قتاله للروم كان صائمًا، ومصليًا، وحينما سألوه لماذا ذلك.

وقد رخص الله لك عدم الصيام في السفر والغزو.

قال: لو حضر قتال لأفطرت، وتهيأت له وتقويت، وأن الخيل لا تجري على الغايات.

وهي بدن، بل تجري وهي ضفر، أي أن الخيل لا تجري بقوة إلا وهي جائعة لم تأكل.

قصة رجاء بن حيوة

وهو من التابعين، وكان إمام وفقيه، بالإضافة إلى أنه مهندس معماري.

وقام بالإشراف على النقوش الإسلامية لقبة الصخرة في القدس، وعاش في عصر الخليفة عمر بن عبد العزيز.

وكان رجاء بن حيوة مستشارًا للخليفة الأموي سليمان بن عبد الملك، وأعظم موقف له حينما قام رجاء بن حيوة بنصح الخليفة سليمان بن عبد الملك.

أن يولي عمر بن عبد العزيز الحكم من بعده، وكان ذلك من المواقف النبيلة والمشهودة.

فقد قدم للأمة أفضل من يولي الحكم بعد الخليفة سليمان بن عبد الملك.

قصة سعيد بن جبير

وهو من التابعين الحافظين لكتاب الله، وإمام، ومقرئ، وشهيد، وأعلم الناس بتفسير القرآن الكريم، وقتل على يد الحجاج بن يوسف الثقفي.

وذلك لأنه كان مناصر للثورة التي خرجت على بني أمية.

وكان ابن الجبير من المؤثرين في الحجاج، وذلك يدل على فهمه لكلام الله عز وجل.

وثباته على الحق، وقبل وفاته دعا الله ألا يسلط الحجاج على قتل أحد بعده.

وبالفعل بعد أن قتل الحجاج ابن الجبير توفى الحجاج، وقد استجاب الله سبحانه وتعالى لدعوى سعيد بن جبير، وكان آخر من قتله الحجاج.

اقرأ أيضًا: قصة أنس بن مالك آخر صحابة الرسول

فضل التابعين

سار التابعين على نهج رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحكموا بكتاب الله، وسنه نبيه صلى الله عليه وسلم، وأخذوا العلم والدين من الصحابة مباشرة.

وقد ذكر فضلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض الأحاديث.

حيث قال عبد الله بن مسعود، رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم اللذين يلونهم.

ثم يجيئ من بعدهم قومًا تسبق شهادتهم أيمانهم، وأيمانهم شهادتهم، وفي حديث آخر روي عن جابر بن سمرة رضي الله عنه.

أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “أحسنوا إلى أصحابي، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم.

من هم آخر التابعين؟

يذكر أهل العلم، أن آخر صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم هو أبو الطفيل عامر بن واثلة الليثي، رضي الله عنه، والذي توفى عام 110 هـ، وآخر التابعين هو خلف بن خليفة الكوفي المعمر.

والذي توفى في بغداد عام 181 هـ، ومن آخر التابعين أيضَا الحسن بن عرفة الهبدي البغدادي، الذى توفى في سامراء عام 257 هـ.

الدروس المستفادة من القصص

من أبرز الدروس المستفادة من القصص السابقة ما يلي:

  • الحرص على الزكاة، وعدم تكنيز الأموال تخوفًا من المستقبل.
  • كذلك التمسك بدين الله عز وجل، والسير على نهج رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعين.
  • الشجاعة، والتمسك بالحق، وبأوامر الله، وسنة نبيه.

تابع من هنا: قصص الصحابة والتابعين والصالحين مكتوبة

جديرًا بالذكر، أن أهل العلم أجمعوا على أن الصحابة هم من التقوا برسول الله صلى الله عليه وسلم، وآمنوا به، وماتوا على إيمانهم به، بينما التابعون هم من التقوا بأحد الصحابة، وأخذوا عنه أقواله.

وكذلك كان يوجد أتباع للتابعين، ليرووا لنا قصص من حياة التابعين، وتؤكد الروايات أن عصر التابعين انتهى عام 181 هـ.

قصص ذات صلة