قصة وقصيدة
قصة وقصيدة من الماضي توضح تجارب مختلفة مرت على الأسلاف الذين عاشوا قبلنا بسنوات، أو قرون حتى، يمكن أن تكون هذه القصص هي قصص حب أو موعظة، أو قصص تحذيرية.
حيث أهم ما يميز القصص التي تسرد في هيئة قصائد أنها عادة ما تحمل مغزى غاية في الجمال والأهمية، وأيضاً يسهل وصوله للقارئ، وعلى هذا سوف نتعرف معنا على قصة اللص العاشق.
قصة وقصيدة
قصة اللص العاشق هي قصيدة مروية على لسان الأصمعي الشاعر العربي البليغ، وإمام اللغة العربية، حيث كان خير أدباء ذلك العصر، وأعلمهم بالشعر.
ومن خلال هذه القصيدة يروى لنا الأصمعي قصة من أجمل وأنبل قصص الحب، حيث يتحول خلال هذه القصيدة العاشق إلى لص من أجل أن ينقذ حبيبته.
حتى أنه خاطر بقطع يده، ولكنها أنقذته وكان الحد على وشك أن الحدوث.
قصيدة اللص العاشق
حُكِي عن الأصمعي، أنه قال:
دخلت البصرة أريد بادية بني سعد وكان على البصرة يومئذ خالد بن عبد الله القسري.
فدخلت عليه يوماً فوجدت قوماً متعلقين بشاب ذي جمال وكمال وأدب ظاهر بوجه زاهر، حسن الصورة طيب الرائحة جميل البزة عليه سكينة ووقار.
فقدموه إلى خالد فسألهم عن قصته فقالوا:
قصة العاشق الذي تحول إلى لص
هذا لص أصبناه البارحة في منازلنا.
فنظر إليه، فأعجبه حسن هيئته ونظافته.
فقال: خلوا عنه، ثم أدناه منه وسأله عن قصته.
وقال: إن القول ما قالوه، والأمر على ما ذكروه.
فقال له: ما حملك على ذلك، وأنت في هيئة جميلة وصورة حسنة؟
قال: حملني الشره في الدنيا وبذا قضى الله سبحانه وتعالى.
فقال له خالد: ثكلتك أمك، أما كان لك في جمال وجهك، وكمال عقلك وحسن أدبك زاجر لك عن السرقة.
قال: دع عنك هذا أيها الأمير، وأنفذ ما أمرك الله تعالى به، فذلك بما كسبت يداي، وما الله بظلام للعبيد.
الشك في حقيقة قصة اللص
فسكت خالد ساعة يفكر في أمر الفتى، ثم أدناه منه وقال له:
إن اعترافك على رؤوس الأشهاد قد رابني وأنا ما أظنك سارقاً، وإن لك قصة غير السرقة فأخبرني بها.
فقال: أيها الأمير لا يقع في نفسك سوى ما اعترفت به عندك، وليس لي قصة أشرحها لك إلا أني دخلت دار هؤلاء، فسرقت منها مالاً فأدركوني وأخذوه مني وحملوني إليك.
فأمر خالد بحبسه وأمر منادياً ينادي في البصرة، ألا من أحب أن ينظر إلى عقوبة فلان اللص وقطع يده فليحضر من الغد.
فلما استقر الفتى في الحبس، ووضع في رجليه الحديد تنفس الصعداء، ثم أنشد يقول:
(هددني خالد بقطع يدي = إن لم أبح عنده بقصتها)
(فقلت: هيهات أن أبوح بما = تضمن القلب من محبتها)
(قطع يدي بالذي اعترفت به = أهون للقلب من فضيحتها)
فسمعه الموكلون به، فأتوا خالداً وأخبروه بذلك.
فلما جن الليل أمر بإحضاره عنده، فلما حضر استنطاقه فرآه أديباً عاقلاً لبيباً ظريفاً، فأعجب به فأمر بطعام فأكلا وتحادثا ساعة، ثم قال له خالد:
قد علمت أن لك قصة غير السرقة، فإذا كان غداً وحضر الناس والقضاة وسألتك عن السرقة، فأنكرها واذكر فيها شبهاتٍ تدرأ عنك القطع، ثم أمر به إلى السجن.
اقرأ أيضا: قصة سد مأرب والفار
محاكمة اللص العاشق لقطع يده
فلما أصبح الناس لم يبق بالبصرة رجل ولا امرأة إلا حضر ليرى عقوبة ذلك الفتى.
ركب خالد ومعه وجوه أهل البصرة وغيره، ثم دعا بالقضاة وأمر بإحضار الفتى، فأقبل يحجل في قيوده.
لم يبق أحد من النساء إلا بكى عليه، وارتفعت أصوات النساء بالبكاء والنحيب.
فأمر بتسكيت الناس، ثم قال له خالد: إن هؤلاء القوم يزعمون أنك دخلت دارهم، وسرقت مالهم فما تقول؟
قال: صدقوا أيها الأمير، دخلت دارهم وسرقت مالهم.
قال خالد: لعلك سرقت دون النصاب؟
وقال: بل سرقت نصاباً كاملاً.
قال خالد: فلعلك سرقته من غير حرز مثله؟
وقال: بل من حرز مثله
قال خالد: فلعلك شريك القوم في شيء منه؟
قال: بل هو جميعه لهم لا حق لي فيه.
فغضب خالد وقام إليه بنفسه وضربه على وجهه بالسوط وقال متمثلاً بهذا البيت:
(يريد المرء أن يعطى مناه = ويأبى الله إلا ما أرادا)
ثم دعا بالجلاد ليقطع يده فحضر وأخرج السكين ومد يده ووضع عليها السكين.
ظهور الحبيبة لتنقذ العاشق
فبرزت جارية من صف النساء عليها آثار وسخ فصرخت ورمت بنفسها عليه.
ثم أسفرت عن وجه كأنه البدر وارتفع للناس ضجة عظيمة كاد أن تقع منه فتنة.
ثم نادت بأعلى صوتها: إليه رقعة ففضها خالد فإذا هي مكتوب فيها:
(أخالد هذا مستهام متيمٌ = رمته لحاظي من قسي الحمالق)
(فأصماه سهم اللحظ مني فقلبه = حليف الجوى من دائه غير فائق)
(أقر بما لم يقترفه لأنه = رأى ذاك خيراً من هتيكة عاشق)
(فهلا على الصب الكئيب لأنه = كريم السجايا في الهوى غير سارق)
فلما قرأ الأبيات تنحى وانعزل عن الناس وأحضر المرأة ثم سألها عن القصة.
قصة العاشق وليس اللص
فأخبرته أن هذا الفتى عاشق لها وهي له كذلك.
وأنه أراد زيارتها وأن يعلمها بمكانه فرمى بحجر إلى الدار.
فسمع أبوها واخوتها صوت الحجر فصعدوا إليه.
فلما أحس بهم جمع قماش البيت كله وجعله صرة فأخذوه.
وقالوا: هذا سارق وأتوا به إليك فاعترف بالسرقة.
وأصر على ذلك حتى لا يفضحني بين إخوتي وهان عليه قطع يده.
لكي يستر على ولا يفضحني كل ذلك لغزارة مروءته وكرم نفسه.
فقال خالد: إنه خليق بذلك.
ثم استدعى الفتى إليه وقبل ما بين عينيه.
وأمر بإحضار أبي الجارية وقال له:
يا شيخ: إنا كنا عزمنا على إنفاذ الحكم في هذا الفتى بالقطع.
وإن الله عصمه من ذلك وقد أمرت له بعشرة آلاف درهم لبذله يده.
وحفظه لعرضك وعرض ابنتك وصيانته لكما من العار.
وقد أمرت لابنتك بعشرة آلاف درهم.
وأنا أسألك أن تأذن لي في تزويجها منه.
فقال الشيخ: قد أذنت أيها الأمير بذلك.
تابع من هنا: قصة مضحكة قصيرة
قصة وقصيدة توضح لنا ملحمة من عصر صدر الإسلام، رواها لنا خير الأدباء في ذلك الوقت والحين وحتى أبد الآبدين وهو الفقيه الأصمعي الشاعر الجليل، يروي قصة حب وعشق كان شاهداً عليها.